الأربعاء، 22 ديسمبر 2021

المختارة / الحاجة فريال ::: بقلم الاديب المتألق/عز الدين أبوصفية

 قصة قصيرة :::

المختارة / الحاجة فريال :::
في معظم المجتمعات العربية التقليدية، لبعض الشخصيات من الرجال دور قياديّ و في بعض القرى والأحياء يقومون بأدوار مهمة في حل النزاعات و الخلافات بمختلف أشكالها وموضوعاتها، ويُطلق على هؤلاء الرجال لقب العمدة أو المختار أو رجل إصلاح، و جميعهم يمارسوا ذات المهام التي قد تزيد أو تنقص حسب البلد التي يعيشون فيها.
ومن يُلقب بلقب المختار يصبح كشخصية اجتماعية يعمل على المساعدة في حل المشاكل الأسرية الناتجة عن خلافات الأزواج والتي قد تُؤدي إلى الفراق والطلاق بينهما، وفي كثير من الحالات لم يكن دور المختار في أداء دوره الإصلاحية دوراً نزيها ً، فمنهم من يسعون للكسب المادي ولا يكتفوا بمكاسبهم المعنوية فيعملون على تلقى أجورا واثماناً عن أداء خدماتهم للناس المحتاجين للمساعدة في حل قضاياهم ومشاكلهم، وهنا يتلقون أجوراً عن وثائق يحتاجها البعض لتقديمها للجهات الرسمية و توقيعها من المختار وختمها بختمه، ومنهم يطلبون بطاقات لأجهزتهم الخلوي بحجة أنه ليس لديهم أرصدة في أجهزتهم ليتمكنوا من الاتصال بالجهات الرسمية أو التواصل مع غيرهم من المخاتير و المشاركين في حل نفس المشاكل، كما أن غيرهم من المخاتير يطلبون من الناس مبالغ لتغطية مصاريف المواصلات والتنقل وآخرين منهم أكثر طمعاً يسعون للحصول على مبالغ كبيرة تصل إلى حد نسب مئوية من مبالغ يختلف عليها طرفان.
هذا وكثير من الحالات يقوم بعض المخاتير بإنهاء خلافات بين الزوجين بتطليقهما من بعضهما بهدف غير نزيه عند البعض منهم، وما أن تتم عملية الطلاق يقومون بتنفيذ ما خفيَّ في ضمائرهم وهو الزواج من المرأة المطلقة ولا يكلفه ذلك شيء تحت حجة أنه يريد سترها وهذا الأمر يزداد إذا ما كانت الزوجة المطلقة لديها أموال وأراضي تملكها أو مبالغ ارثيه٣ أو تكون موظفة أو جميلة.
لم تكن فريال بعيدةً عن هذا المجتمع وهي التي تعرضت لحالة تطليقها من زوجها على يد مجموعة من المخاتير الذين يشكلون مجموعة أطلقوا عليها اسم لجنة الإصلاح.
كانت فريال قد وصلت إلى منصب وظيفي رفيع وتتقاضى راتباً مرتفعاً وتتمتع بشخصية قوية وذات وعي كافٍ بالدور الخبيث الذي يمارسه بعض المخاتير، إلا أنها ورغم ذلك وتعرضها لتجربة طلاق اذاقتها المر حيث أصبحت وحيدة بعد أن كانت قد أنجبت (طفلة) قامت بتربيتها وتعلمها و مساعدتها في إيجاد عمل يتناسب وتخصصها الدراسي، ولكن مرت الابنة بعد زواجها بظروف صعبة مع زوجها وأهله مما استوجب تدخل بعض المخاتير الذين منهم من كان سعيه جدياً بطلاق البنت من زوجها بحجة توفير الراحة لها وابعادها عن المشاكل.
وما أن انتهت العلاقة بين البنت وزوجها بالطلاق إلا وأحد المخاتير قام بالتقدم لخطبتها فرفضت الابنة بالزواج منه لا سيما وأنه كان يكبرها بثلاثين عاما ولديه زوجتان وخمسة أبناء وخمس بنات.
كانت فريال تمارس نشاطاً اجتماعياً مميزاً ولديها علاقات وطيدة مع جميع فئات ومكونات الأُسر والمجتمع وتلقى احترام الجميع لها، وكانت على دراية واسعة بكل ما يدور حولها من سلوك المخاتير لا سيما وانها كانت تتواجد مع بعض الأسر لتزويدهم برأيها في قضاياهم ومشاكلهم وتُستدي لهم النصائح، و أمام كل ذلك قررت أن تتقدم للدوائر الرسمية المختصة بكتابٍ تطالب من خلاله منحها لقب مختار. في بداية الأمر وجدت عدم تجاوب من المسؤولين مع هذه الفكرة، إلا أن قوة شخصيتها واسلوبها المقنع لكل من وقف في طريق تعيينها مختارة مؤكدةً لهم بأن ذلك ليس بالسلوك المُحرم وأن وجودها كإمراه في لجان الإصلاح يسهل للجميع تفهم جذور المشاكل الأسرية بأدق تفاصيلها مهما كانت تلك الظروف سرية وحساسة لأن كونها إمرأة يتجاوب الناس بالإفصاح أكثر عن مشاكلهم.
ذاع صيت فريال في المربع الذي تسكنه وانتشر إلى أن وصل إلى دوائر مختلفة من المدينة التي تسكنها وكذلك إلى مدن أخرى وقد كان لدورها الإيجابي في حل المشاكل ونجاحها المميز في ذلك أن أصبح الإقبال عليها مُتزايداً من قِبَل الناس لإشراكها في حل المشاكل والخلافات بينهم وهي لا تتقاضى فلساً واحداً مقابل تدخلها لحل مشاكل الناس وتعتبر ذلك أنه واجباً أخلاقياً ودينياً ثوابه عند الله ، خاصة وانها كانت تتكفل بكافة المصروفات التي يتطلبه هذا العمل وكان كل عملها بمختلف أشكاله كان مجاناً لوجه الله تعالى.
أقام المخاتير الدنيا ولم يُقعدوها ضد المختارة فريال وبدأ الحقد عليها والغيرة منها تأكل قلوبهم وعقدوا العزم على محاربتها في المجتمع والتقليل من قيمتها ومعرفتها وخبرتها وعقدوا الندوات للحديث عن رفضهم أن تشتغل المرأة منصب مختار واكثروا من الاستهزاء بها وبهذه الفكرة واعتبروا أن إمرأة مثل فريال هي امرأة مُسترجلة وهذا ما يرفضه الدين والعادات والتقاليد.
استمر المخاتير في حملتهم ضد فريال التي فاجأتهم في إحدى ندواتهم وتجمع مجموعة من مختلف السكان من رجال ونساء ورجال دين ومسؤولين وسمعتهم وهم يستهزؤون بها ويُكيلوا لها الاتهامات والصفات غير الحقيقية.
قاطعهم فريال وتحدثت بكلمات بسيطة موجهةً كلامها للمخاتير ولكل من تواجد في الندوة وقالت من يقول بأن ممارسة المرأة لأي عمل يعتبر محرما ً ، وساقت لهم الأمثال عن بعض نساء الرسول والصحابة و دورهن في المجتمع، وأن عملي كمختارة لا اهدف من ورائه كسباً مادياً أو حتى معنوياً ولا اهدف نحو تلقي أجراً مقابل خدمة الناس والمحتاجين للمساعدة وإنما اهدف لإسعاد الناس وحل مشاكلهم بما يرضي الله الذي عنده عظيم الأجر وحسن الثواب.
لحظةَ صَمت عميق سادت قاعة الاجتماعات، حطم هذا الصمت تصفيق الجميع للمختارة فريال مع هتافات والدعاء لها بالتوفيق والنجاح.
د. عز الدين حسين أبو صفية
قد تكون صورة لـ ‏نص‏
أعجبني
تعليق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قلبي يحادثني قلم الاديبة الشاعرة/ ايمان زقزوق

  قلبي يحادثني قلبي يحادثني بأشياء وما غبت عني إلا لأسباب قد شغلتك عني أوصفها فتغزلت في جمالها ألا تعلم أني شاعرة ولحروف الكلام مترجمه ليس...